أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 10 جمادي الأولي 1445هـ ، الموافق 24 نوفمبر 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023م بصيغة word بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محمد حرز.

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023م بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات.

 

أولًا: القوةُ والثباتُ سرُّ عزةِ الأمةِ.

ثانيًا: واقعُ الأمةِ.. بينَ أمجادِ الماضِي ومآسِي الحاضرِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: عواملُ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا!!!

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023م بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات : كما يلي:

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: القوةُ والثباتُ في مواجهةِ التحدياتِ.

د/ مُحمد حرز بتاريخ: 10 جماد الأول  1445هــ – 24 نوفمبر 2023م

الحمدُ للهِ القويِّ العزيزِ، الفعالِ لِمَا يريدُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾آل عمران: 200، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ )، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ  المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.  أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة  أل عمران :102) 

عبادَ الله: (القوةُ والثباتُ في مواجهةِ التحدياتِ)عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: القوةُ والثباتُ سرُّ عزةِ الأمةِ.

ثانيًا: واقعُ الأمةِ.. بينَ أمجادِ الماضِي ومآسِي الحاضرِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: عواملُ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا!!!

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن القوةِ والثباتِ في مواجهةِ التحدياتِ، وخاصةً والهدفُ مِن هذه الأحداثِ هو مصرُ الغاليةُ وجيشُهَا الأبيُّ لكنَّ مصرَ ستُعلِّمُ أبناءَ القردةِ والخنازيرِ بأنَّ مُحمدًا  ما ماتَ وما خلّفَ بناتًا إنْ فكّرَ أحدٌ أنْ يعتدِي على أرضِهَا وترابِهَا ، وخاصةً والتحدياتُ أمامنَا في مصرِنَا الغاليةِ  صعبةٌ وقويةٌ للغايةِ، فمِن الداخلِ والخارجِ  مَن يريدونَ النيلَ منهَا ومِن أمنِهَا لتعمَّ الفوضَى والهلاكُ والدمارُ، لكنْ مصرُ محفوظةٌ بحفظِ اللهِ جلَّ وعلا وبأهلِهَا الطيبين الصادقين المخلصين ،وخاصةً وأنَّ أحداثَ فلسطينَ لا تزالُ تُألمُ القلبَ وتُبكِي العينَ بدلَ الدموعِ دمًا لمِن كان لهُ قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، مِن قتلٍ للأطفالِ وسفكٍ للدماءِ وقتلٍ للنساءِ والشيوخِ وهدمٍ للمساجدِ والكنائسِ والمستشفياتِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات

أولًا: القوةُ والثباتُ سرُّ عزةِ الأمةِ.

أيُّها السادةُ: لقد اقتضتْ سنةُ اللهِ تعالى في الحضاراتِ والأممِ والدّولِ أنْ تقومَ ثُم تسقط، وتزدهرَ ثُم تندثر، فما بينَ صعودٍ وهبوطٍ، ونجاحٍ وإخفاقٍ، هكذا مضتْ الدهورُ، قال جلَّ وعلا: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]..والناظرُ والمتأملُ في أحوالِ المسلمين اليومَ سيبكِي بدلَ الدموعِ دمًا لِمَا آلَ إليهِ أمرُ المسلمين، يجد الضعفَ والخورَ والهزيمةَ قد حلتْ مكانَ القوةِ والعزةِ والنصرِ، لكن ثِقُوا باللهِ –جلَّ وعلا-، واعلمُوا أنَّ العَدُوَّ أَهونُ مِمَّا يَتَصَوَّرُهُ المَذعُورُونَ واليَائِسُونَ، فالانتِصَارُ على الأَعداءِ يَتَطَلَّبُ سِلاحَ الإيمَانِ بِاللهِ، وإخلاصَ التَّوحِيدِ والعِبَادَةِ، والعَمَلَ بِالإسلامِ ولِلإسلامِ؛ فِي السِّلمِ والحَربِ، في المَنشَطِ والمَكرهِ! وصدَقَ المَولى -وَمَنْ أصدَقُ من اللهِ قِيلا-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج:40-41]. فالمسلمونَ اليومَ بحاجةٍ إلى قوةٍ تسندُ ظهورَهُم وتشدُّ مِن أزرِهِم وتذللُ لهم الصعابَ وتنيرُ لهم الطريقَ، قال جلَّ وعلا﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾  ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾  ﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ  ﴾ ومَا أَجمَلَ القُوَّةَ فِي الحَقِّ، وَما أَحْوجَنا إليهَا في زَمَنِنَا؛ فَالقُوَّةُ فِي الحَقِّ تَرفعُ المَظالِمَ، وَتُزيلُ الآمَ المَظلُومِينَ، روى مسلمٌ في صحيحهِ حديثَ أبي هريرةَ عن النبيِّ ﷺ أنَّهُ قال: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ ، احرِصْ على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ))، فهذا الحديثُ العظيمُ مِن جوامعِ كلامِهِ ﷺ ، يحملُ في طياتِه معانِي عظيمةً ومفاهيمَ عميقةً، ففي كلٍّ منَ القويِّ والضعيفِ مِن المؤمنينَ خيرٌ لاشتراكِهِمَا في الإيمانِ، وقد يكونُ المؤمِنُ ضعيفًا في بدَنِهِ قويًّا في إيمانِهِ ومالِهِ، وقد يكونُ نحيلَ الجِسمِ لكنَّهُ قويَّ الفِكرِ والقلَمِ، وإلى هذا تشيرُ الكلمةُ النبويّةُ: (وفي كلٍّ خير). والذلُّ قبيحٌ وفي قَبولِهِ هَلاكٌ، لكنْ حينَ يوضَعُ في موضِعِهِ الصحيحِ يُعتَبرُ قوّةً وعِزًّا، قال جلَّ وعلا) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )[الإسراء:24].مَا أَجملَ القُوَّةَ العَادِلَةَ عندما تُحِقُّ الحقَ وتُبطلُ الباطلَ؛ فإنَّها تُقيمُ بينَ النَّاسِ القِسطَ وَالعَدلَ، والقوةَ والحقَّ والثباتَ والعزيمةَ في دينِ الإسلامِ، وللهِ درُّ القائلِ:

ومِمَّا زادنِي شـرفـًا وفخـرًا****وكدتُ بأخمصِي أَطأُ الثريَّا

دخولِي تحتَ قولِكَ “يا عبادِي****وأنْ صيَّرتَ أحمدَ لِـي نبِيَّا

ومِن مبادئِنَا الأصيلةِ، ومِن تعاليمِنَا الجليلةِ، أنْ نفتخرَ بهذا الدينِ، وأنْ نتشرفَ بأنْ جعلنَا اللهُ مسلمين، فمَن لم يتشرفْ بالدينِ ومَن لم يفتخرْ بكونِهِ مِن المسلمين، ففي قلبِهِ شكٌّ وقلةُ يقينٍ، يقولُ اللهُ في محكمِ التنزيلِ، مخاطبًا رسولَهُ، ﷺ: (( وإنَّه لذكرٌ لك ولقومِك وسوف تُسْألون)) [الزخرف:44]. أيْ: شرفٌ لكَ، وشرفٌ لقومِكَ، وشرفٌ لأتباعِكَ إلى يومِ القيامةِ، فالواجبُ أنْ تتشرفَ بالقرآنِ، لكونِكَ مِن أمةِ القرآنِ، ومِن أمةِ الإسلامِ، ولكونِكَ مِن أمةِ النبيِّ المختارِ ﷺ .

بشرَى لنَا معشرَ الإسلامِ أنَّ لنَا***مِن العنايةِ ركنًا غيرَ مُنْهدِمِ

لمَّا دعـَا اللهُ داعينَا لطاعتِـه***بأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّا أكرمَ الأممِ

والمؤمنُ الحقيقيُّ أيُّها الأخيارُ ثابتٌ قويٌّ لا تزعزهُ المحنُ ولا تضعفهُ الشدائدُ ولا ترهقهُ الآلامُ  يعلمُ علمَ اليقينِ أنَّ كلَّ شيءٍ بقدرٍ وأنَّ الدنيا دارُ ابتلاءٍ وبوتقةُ اختبارٍ قالَ جلَّ وعلا: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.. [العنكبوت – 1 : 3]. وقالَ جلَّ وعلا: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ البقرة: 214، فتحدياتُ الحياةِ صعبةٌ وشاقةٌ وتحدياتُ الدولِ  تحتاجُ إلى جهدٍ ومثابرةٍ.

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات

ولقد مرتْ بأمةِ الإسلامِ فتراتٌ عصيبةٌ، ومحنٌ وبلايَا شديدةٌ، بدأتْ منذُ عهدِ النبيِّ ﷺ وحتى أيامِنَا هذه، وما زالتْ تلك المحنُ والابتلاءاتُ تتوالَى على المسلمين. والمتأملُ فيمَا تمرُّ بهِ أمةُ الإسلامِ، مِن استهزاءٍ بالنبيِّ الكريمِ، وسخريةٍ بالقرآنِ العظيمِ، ومحاربةٍ لكلِّ مظهرٍ مِن مظاهرِ الدينِ ، وما ذاك إلّا ليعلمَ اللهُ الذين صدقُوا ويعلمَ الكاذبين..(( وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) يا أهلَ فلسطينَ.. يا أهلَ غزةَ..((وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ))، يا أهلَ فلسطينَ.. يا أهلَ غزةَ ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) يا أهلَ فلسطينَ.. يا أهلَ غزةَ..(( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ))، يا أهلَ غزةَ يا أهلَ غزةَ أمَا سمعتُم قولَ اللهِ جلَّ وعلا ((الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ].

فالنصرةُ للإسلامِ والمسلمين بإذنِ اللهِ عزَّ وجلَّ وكونُوا على ثقةٍ ويقينٍ بوعدِ اللهِ وصدقِ نبيِّهِ ﷺ في أنَّ اللهَ ناصرُ دينَهُ ومعزُّ أولياءَهُ، وأنَّ مَن تمسكَ بهذا الدينِ لابُدَّ لهُ مِن النصرِ والتمكينِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ القائلُ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(النور:55). لقد وعدَ اللهُ تعالى أولياءَهُ بالنصرِ والتمكينِ فقالَ: {كَتَبَ اللهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}، وقال جل وعلا: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ}، قالَ ربُّنَا ((وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) والقوةُ أيُّها الأخيارُ تشملُ كلَّ أنواعِ القوةِ التي تقيمُ للإنسانِ حياةً في هذه الأرضِ، فتكونُ القوةُ الجسديةُ والقوةُ الاقتصاديةُ والقوةُ الماديةُ وقوةُ الفراسةِ والقوةُ الفكريةُ وقوةُ الوعيِ وقوةُ السلاحِ وقوةُ العتادِ والعددِ والعدةِ، فهذا مشهدُ الفاروقِ عمرَ رضي اللهُ عنه وهو يقتحمُ دارَ الأرقمِ ويبحثُ عن نبيِّنَا الكريمِ وقد ملأَ الحقُّ قلبَهُ فأعلنَ إسلامَهُ بعدَ أسدِ اللهِ حمزةَ بثلاثةِ أيامٍ فقط، ليتبدلَ بعدهَا حالُ القومِ هناكَ فتصبحُ الدعوةُ جهريةً أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ مضَى، وما كان مِن انبهارِ سادةِ قريشٍ مثلَ قولِهِم: واللاتَ لقد أسلمَ عمرُ….قد شعرُوا بذلك في هواءِ مكةَ، وقد شعروا بتلك القوةِ والهيبةِ مٍن تصرفاتِ الناسِ وحالةِ الوجوهِ، لقد أسلمَ عمرُ!.. القوةُ تتحدثُ هنا، سيدُنَا عمرُ رضي اللهُ عنه بكلِّ هيبتِهِ وقوتِهِ أصبحَ الآن في صفِّ المسلمين، لقد علمُوا أنَّهُ آنَ الأوانُ لكلِّ مسلمٍ بالجهرِ بالدعوةِ ، إنَّها القوةُ يا سادة فالحقُّ والباطلُ في صراعٍ مستمرٍ، وقد أخبرَنَا اللهُ عن استمرارِ الكافرينَ في قتالِ المسلمينَ ليصرفوهُم عن دينِهِم الحق، قال جلَّ وعلا: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217]، وبيَّنَ اللهُ لنَا في كتابِه أنَّ الكافرينَ يكيدونَ بالمسلمين، ويمكرونَ بهِم في كلِّ حينٍ، فقالَ عزَّ شأنُهُ: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15، 16]، وقال تباركَ وتعالى: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 46،فما احوجَنَا الى القوةِ والثباتِ لتنهضَ أمتُنَا ولتنتصرَ على عدوِّ اللهِ وعدوِّهَا .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات

ثانيًا: واقعُ الأمةِ.. بينَ أمجادِ الماضِي ومآسِي الحاضرِ.

أيُّها السادة: إنَّ افتقادَ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ للقوةِ والإرادةِ لهو مِن الأسبابِ التي أدَّتْ إلى السقوطِ الحضارِي والسقوطِ السياسِي والثقافِي، فتَفَتَّتتْ الأُمَّةُ وتبَعْثَرتْ، وتمزَّقتْ رُقعةُ التفكيرِ في الوَحْدةِ وإعادةِ أمجادِ الأُمَّةِ، فما عادَ واقعُنَا اليوم كماضِينَا، وما أظنُّ أنَّ واقِعنَا اليومَ يحتاجُ إلى شواهدَ أو إسقاطاتٍ تاريخيَّةٍ، حيثُ عَجْزتْ الأمةُ عن استعادةِ أمجادِهَا وحمايةِ تاريخِهَا المؤصَّلِ، كلُّ ذلك وغيرُهُ يشكِّلُ مواطنَ الضَّعفِ التي أُوتِينَا مِن قِبَلِهَا، وصِرنَا هدفًا للغربِ يُسيطرُ ويُهيمنُ عليهِ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلّا باللهِ، فلا يخفَى على عاقلٍ أنَّ الأمةَ الآنَ تعيشُ  حالةً مِن الضعفِ والوهنِ بعدمَا كانتْ في مقدمةِ الأممِ والشعوبِ بعدمَا تحولتْ مِن رعاةٍ للإبلِ إلي زعماءَ وقادةٍ للبشرِ  لكنْ باللهِ عليكُم؟ هل هذه هي أمةٌ دستورُهَا القرآنُ..، ونبيُّهَا المصطفَي العدنان.. ما الذي غيّرَهَا وما الذي بدَّلَهَا؟ ما الذي حدثَ؟ وما الذي جرى؟ أمةٌ ذلتْ بعدَ عزةٍ…!!وضعفتْ بعدَ قوةٍ…!!وجَهلتْ بعدَ علمٍ …!!. هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهُ في القرآنِ بالخيريةِ في قولِهِ سبحانه:( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهُ في القرآنِ بالوسطيةِ…؟ فقالَ جلَّ وعلا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) سورة البقرة. هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهُ في القرآنِ بالوحدةِ…؟ في قولِهِ جلّ وعلا: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون) .كلّا وألفُ كلّا، إنَّها أمةٌ ذلتْ بعدَ عزةٍ..!! ضعفتْ بعدَ قوةٍ…!! جَهلتْ بعدَ علمٍ …! وصدقَ قولُ نبيِّنَا ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ ثوبانَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ((.

إنَّ التحدِّياتِ التي تواجِهُ الأمةَ الإسلاميَّةَ اليومَ تستوجبُ علينَا دراسةَ واقعِ الأُمَّةِ بكلِّ موضوعيَّةٍ وأمانةٍ؛ لأنَّ الواقعَ الآنَ لا يُمكنُ إغفالُهُ أو التهرُّبُ منهُ بحالٍ مِن الأحوالِ، وحتى نستطيعَ أنْ نتكاتَفَ ونَجمعَ شَمْلنَا للتصدِّي لهذه النَّكباتِ التي تواجِهُ أُمَّتنَا اليوم،
وإنَّ النّاظرَ في واقعِ الأمةِ اليومَ يدركُ تمامَ الإدراكِ أنَّها تمرُّ بمرحلةٍ عصيبةٍ شديدةٍ عليهَا وعلى أبنائِهَا؛ حيثُ أصيبتْ بالتبعيةِ والضعفِ والهوانِ والمذلةِ، حتى تكالبَ عليهَا أعداؤُهَا مِن الشرقِ إلى الغربِ، ومِن الشمالِ إلى الجنوبِ، فعملُوا على تفريقِ شملِهَا، وتمزيقِ وحدتِهَا، والسيطرةِ على اقتصادياتِ دولِهَا وأوطانِهَا.

فكيف كُنَّا بالأمسِ؟ وكيف أصبحنَا اليوم؟ عندما كان النبيُّ ﷺ نائمًا تحتَ الشجرةِ، وجاءَهُ ذلك الكافرُ وسلَّ السيفَ في وجهِهِ، وقال: يا محمدٌ! مَن يمنعُكَ منِّي الآن؟ وأرادَ أنْ يقتلَ النبيَّ ﷺ وكان بأبِي هو وأمِّي عليه الصلاةُ والسلامُ في ظلٍّ تحتَ الشجرةِ فجلسَ، وقال بكلِّ هدوءٍ وثقةٍ باللهِ قال: “الله”، فأخذَ يرددُ عليهِ ذلك الأعرابِيُّ: مَن يمنعُكَ منِّي يا مُحمدٌ، قال: “الله”، ولم يكنْ معهم أحدٌ، ولم يكن مع النبيِّ سيفٌ ولا درعٌ في ذلك الوقتِ ثم أعادَهَا ثالثةً فإذا بالسيفِ يسقطُ مِن يدِي ذلك الأعرابِيِّ الكافرِ فيأخذُ النبيُّ ﷺ بالسيفِ، ويصيحُ ذلك الأعرابِيُّ ويقولُ: يا مُحمدٌ كُن خيرَ آخذٍ، فقالَ له النبيُّ ﷺ أتسلمُ؟” قال : لا، ولكنِّي أعدُكَ ألَّا أكونَ مع قومٍ يعادُونَكَ أو يقاتلُونَكَ، ثم تركَهُ النبيُّ ﷺ.

كيفَ كنَّا بالأمسِ؟ وكيف أصبحنَا اليوم؟ حينمَا انتصرَ المسلمون على الرومِ في وقعةِ اليرموكِ المشهورةِ، وقفَ ملكُ الرومِ يسألُ جيشَهُ المنهزم، والمرارةُ تعصرُ قلبَهُ، والغيظُ يملأُ صدرَهُ: أخبرونِي عن هؤلاءِ الذين يقاتلونَكُم! أليسوا بشرًا مثلَكُم؟؟ قالوا: بلى أيُّهَا الملكُ، قال: فأنتم أكثرُ أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثرُ منهم في كلِّ موطنٍ. قال: فما بالكُم إذنْ تنهزمون؟! فأجابَهُ عظيمٌ مِن عظماءِ قومِه: إنَّهُم يهزمونَنَا لأنَّهُم يقومونَ الليلَ، ويصومونَ النهارَ، ويوفونَ بالعهدِ، ويتناصحونَ بينَهُم…أخلاقياتٌ فأينَ هي اليومُ يا سادة؟

كيفَ كُنَّا بالأمسِ؟ وكيفَ أصبحنَا اليوم؟ يومَ أنْ وقفَ ربعيُّ بنُ عامرٍ بهذا الإيمانِ الصلبِ وبهذهِ العزةِ والكرامةِ أمامَ رستم قائدِ الجيوشِ الكسرويةِ ليعلنَ له باستعلاءِ حقيقةَ الإيمانِ والعزةِ للهِ ربِّ العالمين، شتانَ شتانَ بينَ استعلاءِ المؤمنين وبينَ استعلاءِ الكذابين، قال ربُّنَا {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )

وقفَ ربعيُّ بنُ عامرٍ ليقولَ لرستم عندما قال له رستمُ مَن أنتم؟ فقال ربعيُّ بنُ عامرٍ نحن قومٌ ابتعثَنَا اللهُ لماذا؟ لنأكلَ الربَا لماذا لنأكلَ الحرامَ؟ لماذا لنأكلَ حقوقَ البناتِ؟ بعثنَا اللهُ لنخرجَ العبادَ مِن عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ، ومِن جورِ الأديانِ إلي عدلِ الإسلامِ، ومِن ضيقِ الدنيا إلي سعةِ الدنيا والآخرةِ، اللهُ أكبرُ إنّها العزةُ للهِ ورسولهِ.

كيفَ كُنَّا بالأمسِ؟ وكيفَ أصبحنَا اليوم؟ عندما ذهبَ عمرُ بنُ الخطابِ رضى اللهُ عنه ليتسلمَ مفاتحَ بيتِ المقدسِ وهو يلبسُ ثيابًا مرقعًا ويضعُ نعليهِ على عاتقِه، فقال أبو عبيدةَ يا أميرَ المؤمنين لا أحبُّ أنْ يراكَ القومُ على هذه الحالةِ، فقال أوهٍ لو يقلْ ذا غيرُكَ أبا عبيدةَ جعلتُهُ نكالًا لأمةِ مُحمدٍ ﷺ، إنّا كنّا أذلَّ قومٍ فأعزّنَا اللهُ بالإسلامِ، فمهمَا ابتغينَا العزةَ بغيرِ ما أعزّنَا اللهُ بهِ أذلَّنَا اللهُ. فالعزةُّ للهِ ولرسولِه وللمؤمنين بوعدِ اللهِ وصدقِ رسولِه ﷺ .

كلُّ القلوبِ إلى الحبيبِ تميلُ*** ومعِي بهذا شاهدٌ ودليلُ

أمَّا الدليلُ إذا ذكرتَ مُحمدًا *** صارتْ دموعُ العارفينَ تسيلُ

هذا رسولُ اللهِ نبراسُ الهدى*** هذا لكلِّ العالمينَ رسولُ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات

ثالثــــًا وأخيرًا: عواملُ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا!!!

أيُّها السادة: إنَّ عواملَ القوةِ والثباتِ في أمةِ الإسلامِ كثيرةٌ وعديدةٌ لا يتسعُ الوقتُ لذكرِهَا، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: بناءُ الإنسانِ مُقدّمٌ على بناءِ العُمْرانِ:

فالإنسانُ هو شعلةُ النشاطِ، وبارقةُ الأملِ في بناءِ أيّ مجتمعٍ وأيّ أُمّةٍ، فالاستثمارُ الحقيقيُّ في الوطنِ يكونُ ببناءِ الإنسانِ أولًا، عقيدةً وثقافةً وفكرًا وأخلاقًا واقتصادًا، فالإنسانُ هو أولُ ركنٍ رئيسٍ في أيِّ خطةٍ للبناءِ في البلدانِ والأوطانِ، فهو أساسُ التقدّمِ، وهو عمودُ الرقيِّ، وهو ركنُ التحضّرِ، واللهُ كرّمَهُ، قال اللهُ تعالى((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]. ودعَا الإسلامُ بنِي البشرِ إلى التعارفِ والتعاونِ واحترامِ بعضِهِم البعض، يقولُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[الحجرات: 13.. كما حرّمَ الإسلامُ الاعتداءَ على دينِ الإنسانِ، ومالِهِ، ونفسِهِ، وعِرْضِهِ، وبدنِهِ، وأرضِهِ، وعقلِهِ، وحريتِهِ.

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا: بناءُ وحْدةِ الصفِّ المجتمعِي لا تقسيمُهُ وتشتيتُهُ والتصالحُ لا التنازع: إنّ المجتمعَ الذي يتمزّقُ فيه عُرَى الأخوةِ والوحدةِ يكونُ عُرْضَةً للعنفِ والشتاتِ والتدخلِ الخارجيّ؛ فلا بُدَّ مِن وحدةِ الصفِّ بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ، كما فعلَ النبيُّ ﷺ في أوّلِ مَقْدِمِهِ إلى المدينةِ الطيبةِ، آخَى بينَ المسلمِ والمسلمِ أخوةً إنسانيةً ووطنيةً وإسلاميةً، كمَا آخَى بينَ المسلمِ وغيرِ المسلمِ أخوةً إنسانيةً ووطنيّةً، فاستطاعَ أنْ يحفظَ الوطنَ في أوّلِ عهدِ تأسيسِهِ، يقولُ اللهُ تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، والنبيُّ ﷺ يقولُ –كما ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعمان-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا:بناءُ منظُومةِ العملِ والاقتصادِ المستقلِّ وحُسْنُ توظيفِ الطاقاتِ: إنّ رفعةَ الأممِ وتقدمهَا مربوطٌ بحجمِ عطاءِ وعملِ أبناءِ الشعوبِ والأوطانِ في تلك الأرضِ، ولا ننسَى ما فعلَهُ ذو القرنينِ مِن تغييرِ ثقافةِ شعبٍ كسولٍ خاملٍ عن العملِ، كما ورد في سورةِ الكهفِ، وماذا كانت نتيجةُ حركتهِم وبذلهِم وعطائهِم. ولقد عنيتْ آياتُ الكتابِ المجيدِ بذكرِ ما أمرَ اللهُ بهِ في نصوصِهِ المقدسةِ الراقيةِ، ومِن بينِ الأوامرِ قولُهُ تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105.

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا: بناءُ الأمَلِ في النفوسِ والقلوبِ:فلا بدَّ مِن بثِّ الأملِ، وتثقيفِ الناسِ جميعًا بأنَّ مِن وراءِ الشدةِ يأتِي الفرَجُ القريبُ، وأنّ مع العُسْرِ يأتي اليُسْرُ، وتلك هي رسالةُ كلِّ الأنبياءِ والرسلِ، وصدقَ اللهُ إذ يقولُ: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[يوسف: 87

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا:قوّةُ العِلــمِ والتعليـمِ:لا يُمَكِّنُ اللهُ تعالى لأمّةِ الجهلِ!!لذا كانتْ أولُ كلماتِ الوحيِ للرسولِ الكريمِ ﷺ (اقرأ)، وكان اهتمامُ النبيِّ عمليًا بالعلمِ، حين جعلَ افتداءَ الأسرَى يومَ بدرٍ بتعليمِ عشرةً مِن أصحابِه العلم، وإزالةِ الأميةِ، وقد قال اللهُ تعالَى لنبِيِّه ولنَا مِن بعدِهِ: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)طه: 114؛ لأنّ العلمَ قوّةٌ وقوةٌ عظمَى!!فلِمَ لا نتوجه إلى العلم، ونصب اهتمامنَا بإخراجِ جيلٍ متميزٍ وفائقٍ علميًّا في مجالَيِ الدينِ والدنيَا معًا؛ لا سيّمَا وأممُ الأرضِ اليوم تتنافسُ على تبوءِ أعلَى الأماكنِ علميًّا؛ لأنَّهُم أدركُوا أنَّ قيمةَ الدولِ فيمَا تحسنهُ في بابِ الأبحاثِ والتقدّمِ العلمِيِّ، وللهِ درُّ القائلِ:

بِالعِلمِ وَالمالِ يَبني الناسُ مُلكَهُمُ*** لمَ يُبنَ مُلكٌ عَلى جَهلٍ وَإِقلالِ

كفانِي ثراءً أنَّنِي غيرُ جاهلٍ*** وأكثرُ أربابِ الغنَى اليومَ جهالُ

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا: الإيمانُ والعملُ الصالحُقال اللهُ سبحانه: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وقال اللهُ: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال تعالى: ﴿ إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، فاللهُ مع المؤمنين الصالحين بالنصرِ والتأييدِ، وقد وَعَدَهُم بالدفاعِ عنهُم، وضمِنَ لهُم إنْ حققُوا الإيمانَ اعتقادًا وقولًا وعملًا ألَّا يجعلَ للكافرين عليهم سبيلًا مستمرةً في كلِّ حينٍ، فقال: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾النساء: ،141

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا:نُصرةُ دينِ اللهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ الحج: 40 – 41.

ومِن عواملِ القوةِ والثباتِ لأمتِنَا: إعدادُ ما يُستطاعُ مِن قوَّةٍ: القوةُ مطلبٌ شرعيٌّ، فالإسلامُ دينُ القوةِ والعزةِ، وقِوامُ الإسلامِ بكتابٍ يهدِي، وسيفٍ ينصرُ، قال اللهُ تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25]، وقد أمرَ اللهُ المؤمنينَ بتحصيلِ القوةِ بجميعِ معانِيهَا وأنواعِهَا بقدرِ الاستطاعةِ، قال اللهُ سبحانَهُ: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، فالإسلامُ ينهَى عن الضعفِ والمهانةِ، وموالاةِ الأعداءِ والتبعيةِ لهُم، ويأمرُ بتحصيلِ جميعِ أسبابِ القوةِ الماديةِ والمعنويةِ بقدرِ الإمكانِ، ولا عزةَ للمسلمينَ إلَّا بالإسلامِ، ومهمَا ابتغَوا العزةَ في غيرهِ أذلَّهُمُ اللهُ، ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾المنافقون: 8واعلموا –يا أحبتي – أنَّ القُوَّةَ تُطلبُ من الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ))إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)[هود:66، قال جل وعلا)وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(آلعمران:126ألا فَاتَّقُوا اللهَ -يا مُؤمنونَ-، واستَمسِكُوا بِدينِكُم، وذُودُوا عن حِمَاكُم، )واصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران:200]، وأَعَدِّوا مِن قُوَّةِ الخَيرِ والحَقِّ مَا استَطَعتُم.

ومِن القوَّةِ التي يَجِبُ الأخذُ بها أيُّها الأخيارُ: ضَبطُ النَّفسِ والتَّحكُمُ في شَهَواتِهَا وانفِعالاتِهَا، فَفي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ”؛ فَمَطلُوبٌ منكَ -أيُّها المُؤمِنُ- قُوَّةٌ تَحجِزُكَ عن مُنكَرَاتٍ انتَشَرتْ؛ فإنَّهُ )لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)[هود:43).

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين .

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه……. د/ محمد حرز

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »